في قريةٍ صغيرةٍ تحيط بها الجبال، كان هناك فتى يُدعى "آدم"، يهوى التحديق في السماء. لم يكن كسائر الأولاد؛ كان هادئًا، يُصغي أكثر مما يتكلم، وكأن في داخله شيئًا لا يستطيع العالم فهمه.كل ليلة، حين ينام الجميع، يصعد آدم إلى سطح منزله، يجلس على الطين البارد، ويحدّق في القمر. كان يشعر أن بينه وبين القمر علاقة لا يقدر على تفسيرها. لم يكن يرى فيه فقط جرمًا مضيئًا، بل صديقًا بعيدًا، يُنصت دون أن يقاطع، يبتسم دون أن يُحاكم.ذات ليلةٍ صافية، وهمس النسيم بين الأشجار، شعر آدم بأن القمر أقرب من أي وقتٍ مضى. أغلق عينيه، وفجأة، سمع صوتًا ناعمًا، خافتًا، كأن الريح تحمله:
"لماذا تنظر إليّ كل ليلة؟"فتح عينيه بسرعة، ولم يرَ أحدًا، فقط القمر، ساطعًا كعادته. لكن الصوت تكرر، وهذه المرة، لم يكن في أذنه، بل في قلبه.قال آدم، دون أن يفكر:
"لأني أراك كما أنا، صامتًا... لكن ممتلئًا بالكلام."
ضحك القمر، ضحكة لم تُسمع، بل ارتجف لها الهواء، وقال:
"أنا وأنت نشبه بعضنا، نصفنا دائماً مخفي، لكننا نظل نضيء."
ومنذ تلك الليلة، لم يعد آدم وحيدًا. صار يكتب رسائل للقمر، ويقرأها له كل مساء. لم يجبه القمر بكلمات بعد تلك الليلة، لكنه كان دائمًا هناك... يستمع.ولم يعلم أحد من أهل القرية، أن القمر.
نفسه اختار آدم، ليكون صديقه على الارض
"الرسالة الأخيرة"
مرّت السنوات، وكبر آدم. صار شابًا يحمل في عينيه بريقًا من القمر، وفي قلبه حكمة أكبر من عمره. لم ينسَ القمر لحظة. كان يكتب له كل ليلة، يخبئ الرسائل في صندوق خشبي صغير تحت وسادته، ويقرأها بصوتٍ خافت في ضوء الليل.
وذات مساءٍ، بينما كان يقرأ للقمر، كتب في آخر الرسالة:
"هل ستبقى دائمًا هناك؟"في تلك الليلة، لم يرد القمر. لم يُرسل همسًا، ولا ارتجف الهواء. ساد الصمت، وكان أثقل من أي وقتٍ مضى.استمرّ الصمت لأيام. كل ليلة، ينتظر آدم، ويكتب، ويقرأ... لكن القمر بقي صامتًا.حتى جاءت ليلة بدرٍ صافية، وخرج آدم إلى السطح، وقد امتلأ صدره بالحيرة والحنين. حدّق في القمر طويلًا، ثم قال:
"هل هجرتني؟"
وفجأة، لمع ضوء غريب في السماء، كوميض برق، لكنه لم يُرعبه. سقط شيء صغير من الأعلى، كأن قطرة ضوء انزلقت من صفحة الليل، وهبطت في حديقة البيت.ركض آدم نحوها، ووجد شيئًا مذهلًا:
حجر صغير، يلمع كأنه جزء من القمر.كان دافئًا، يشعّ نورًا ناعمًا، وعلى سطحه كلمات منقوشة بلغة لم يفهمها... لكنه شعر بمعناها.
لقد كانت الرسالة
"الأخيرة:
"حين تصير أنت النور... لن تحتاجني لتضيء.
"نور داخلي"
في صباح اليوم التالي، استيقظت القرية على خبر مفاجئ: آدم قرر أن يسافر. لم يقل لأحد إلى أين، فقط ابتسم وقال:
"القمر علّمني أن بعض الرحلات لا تحتاج خريطة، بل تحتاج قلبًا يعرف طريقه."
واختفى آدم بهدوء، كما كان دائمًا. لكن كل من عرفه، كان حين ينظر إلى القمر، يشعر بشيء غريب... دفء، وسكينة... وكأن القمر ترك شيئًا من روحه هنا.أما الحجر القمري، فقد بقي في مكانه، يضيء ليلاً بصمت، يهمس لمن ينصت:
"ما دام فيك نور... فأنت لست وحيدا".
😍👏
ردحذف🥰🙈
ردحذف